Sunday, January 30, 2011

صباح الخير يا مصر . . . عاشوا ولادك يا مصر




لم يكن أي منهم يدرك ما سيحدث أو أن يكونوا هم المحركين لحدث هو الأعظم في تاريخ مصر بعد نصر أكتوبر 1973 بل كان كل منهم يري في خروجه للشارع مساهمة متواضعة للإرتقاء بمستوي المصريين علي كل الأصعدة التي تمس المصري بشكل مباشر فخرج شعار"عيش . . . حرية . . . عدالة إجتماعية" تعبيرا عن بديهية حقوق إقتصادية و سياسية و إجتماعية في كل بلاد الدنيا و لكنها كانت في مصر مطلب لابد من التظاهر لإيصاله لحاكم لا يسمع و لا يقرأ ولا يصدق جرأة هذا المطالب بهذه المطالب, جرأة رآها السادة المنتفعين وقاحة و لذلك كان لابد من مواجهة هذه الوقاحة بكل حسم و قد تجسد هذا الحسم ببساطة في مشهد تكرر مرارا و تكرارا. رشاشات مياه و قنابل مسيلة للدموع و رصاص مطاطي "إستخدم من قبل في أحداث المحلة الكبري" الجديد هو إستخدام الرصاص المطاطي من مسافات قريبة و رصاص حي بغرض الفتك بالمتظاهرين ليسقط الشهداء بأيدي من كنا نظنهم مصريين بدأ من أعلي الدرجات بالنظام و إنتهاءا بأحدث جندي أمن مركزي مأمور بحماية النظام كواجب وطني ناسيا واجبه الحقيقي ألا و هو حماية الوطن.ـ

كان في يوم الثلاثاء مشهدان الأول في القاهرة و الآخر في السويس بدأ كلا المشهدين بمسيرات في الشوارع متجهة إلي ميدان التحرير في القاهرة و مسيرات في شوارع السويس ليقابل شباب القاهرة فيمنعوا في بعض الشوارع من المرور فيسلكوا الطرق الأطول و يسمح في شوارع أخري بالمرور ليقابلوا قوات مكافحة الشغب بميدان التحرير لتكافحهم برشاشات المياه أولا ثم بالقنابل المسيلة للدموع و الرصاص المطاطي بقدر ثم تم استخدام الرصاص المطاطي بإفراط فحدثت الإصابات بالبعض و سقط البعض شهداء الحرية ثم توقف الضرب ليلتقط رجال الأمن أنفاسهم المبهورة و المرهقة بفعل مقاومة الشباب الباسل بميدان التحرير و يستقر شباب 25 يناير بالميدان حتي تلبي مطالبهم و التي تطورت من "العيش و الحرية و العدالة الإجتماعية" إلي إقالة وزير الداخلية الذي قام بقتل زملائهم و أصدقائهم و أبناء المصريين, ما زاد من إصرارهم هو ورود الأخبار من السويس لتطالعهم بالفظائع التي إرتكبها رجال الشرطة ضد المصريين بالسويس من إستخدام مفرط للرصاص الحي و القنابل المسيلة للدموع أصابت المتظاهرين بالسويس إما بإصابات بالغة أو أدت للوفاة .ـ

ظل الحال كما هو حتي حوالي الساعة الثانية و النصف صباح الأربعاء حين قامت قوات الشرطة بإمطار المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع بغزارة إستحال معها البقاء في الميدان و إنتصرت قوات الشرطة أو هكذا ظنت.ـ

إنتهي يوم الثلاثاء و إنصرف المتظاهرين و و في يوم الأربعاء و الخميس خرج الناس "هذه المرة بدون دعوة من أحد فقد كان الفتيل قد إشتعل فعلا و لا مجال لإطفائه" علي دفعات صغيرة تكتلت في تظاهرات في عدة مناطق و قابلتها قوات الشرطة بالعنف اللازم لقمع التظاهرات التي كانت تنادي بإسقاط النظام و لكن الإصرار إزداد شدة و أيضا سقط البعض مصابا و شهيدا و لكنه كان وقت التأجج الذي يسبق الإشتعال لتأتي الدعوة من "شباب الفيس بوك" لمعاودة التظاهر بعد صلاة الجمعة "الخطوة التي توقعها كثيرين و منهم "العبد لله" لذلك خرجت بعد صلاة الجمعة لأجد الجموع قد خرجت في شوارع مدينة السادس من أكتوبر حيث أسكن رأيت فيها مشهدا غريبا فقد كانت قوات الشرطة واقفة بلا حراك و بدأ بعض الضباط يسيرون بمحاذاة المسيرة في مراقبة و حذر و حتي حينما وصلنا "لكردون" الجنود عند ميدان فودافون أفسحوا لنا المجال و أكملنا المسيرة حتي ميدان ليلة القدر و منها إلي الحي السادس. عند هذا الحد كان قد مر ما يقرب من الساعتين فقررت العودة و حينما عدت شاهدت في قناة الجزيرة أنباء عن الأحداث في السويس و الإسكندرية و التحرير حيث رأيت الجموع و التي لم يتصور أحد حتي منظمي التظاهرات أن يكون حجم الإستجابة لدعوتهم بهذه القوة و من كافة الفئات و الأعمار الأمر الذي أثار قيادات الداخلية من إصرار الشباب و هذه المرة كانت بكافة أنحاء مصر إلا من بعض المناطق القليلة إما لقلة سكانها أو لضعف التنسيق معها أو لضعف الوعي بها فبتقدير بسيط يمكن القول أن القاهرة و الإسكندرية و كافة محافظات الدلتا و محافظات القناة و شمال الصعيد كانت مشتعلة بغضب عظيم من أثر ثلاثين عاما من القمع و الفقر و الجهل و الغباء السياسي و الوقاحة السياسية و الإستكراد الوطني الديموقراطي, غضب لم يحتاج أكثر من تجاوزات و جرائم رجال الشرطة في مواجهة متظاهري الثلاثاء في القاهرة و السويس و لستعر نيران الغضب في نفوس المصريين فتخرج الجموع و تحدث المواجهة مع قوات الأمن المركزي و كما ظهر في كثير من مقاطع الفيديو أن المتظاهرين لم يريدوا إلا أن يصلوا إلي هدفهم بميدان التحرير رافضين الإشتباك مع قوات الأمن إيمانا منهم بأن هؤلاء بالفعل إخوانهم و أبناءهم "خاصة الجنود" إلا أن القيادات أبت أن تمر الساعات بدون أن يأخذ المتظاهرين درسا عنيفا قبل رحيلهم "و كأنهم سيرحلون" معتقدين أن ذلك سيفرقهم إلا أن ذلك زاد من إصرار المتظاهرين فتحركوا ببطء ثم بدأت محاولات التفريق بالضرب بالهراوات ثم بالقنابل المسيلة للدموع و بعد أن كانت حركة المتظاهرين بطيئة أصبحت أسرع بعد نشوب المواجهات بعنف و اصبح المشهد يتلخص في متظاهرين يجرون لحاقا بالميدان و اخرين فرا من بعض الجنود أو السيارات المدرعة و آخرين في مقاومة أفراد الأمن المركزي و قد تمثلت هذه المشاهد في مقاطع فيديو عديدة مثل المواجهات بكوبري قصر النيل و أسفل كوبري 6 أكتوبر و أمام مسجد الفتح برمسيس و بالطبع في ميدان عبد المنعم رياض و ميدان التحرير. جدير بالذكر أصحاب الضمير اليقظ من بعض ضباط الشرطة مثل الضابط الذي إنضم للمتظاهرين بالتحرير و الضابط الذي إمتنع تماما عن المساس بالمتظاهرين بالإسكندرية معلنا رفضه التعامل بعنف مع المتظاهرين يقينا منه أنه لا يجوز تصويب المدافع صوب المصريين لأنها ببساطة خيانة و غيرها من مواقف مشرفة يجب معرفتها و تسليط الضوء عليها.ـ

ظلت المواجهات في كل أنحاء الجمهورية تقريبا حتي ترددت الأنباء عن سيطرة المتظاهرين بالسويس علي شوارع المحافظة و انعدام التواجد الأمني بعد نفاذ ذخيرة القوات الشرطية و ما حدث بالسويس حدث بالإسكندرية ثم حدث المثل بالقاهرة عند الساعة الخامسة و النصف و فوجئ الجميع بإنسحاب قوات الشرطة من المواجهات و نزول عناصر من الجيش و إعلان الحاكم العسكري حظر التجول من السادسة مساء الجمعة حتي الثامنة صباح السبت بالقاهرة و الإسكندرية و السويس. ما جعل هذا اليوم ينتهي بنهاية مؤسفة هي الأنباء عن التقديرات المبدأية لشهداء و مصابي المواجهات والتي وصلت إلي 300 شهيد و ما يقرب من 1500 جريح بإصابات متنوعة الدرجة و الأمر الآخر هو الأنباء التي ترددت عن فتح بعض السجون و هجوم المجرمين علي المنازل لسرقتها و سيارات طائشة يركبها مجهولون و يطلقون الأعيرة النارية بشكل عشوائي مما أفشي حالة من الرعب و الترويع بالأحياء السكنية بمصر كلها و أخبار عن إعتداءات علي المتحف المصري بالقاهرة و وادي الملوك بالأقصر و حرق الكثير من أقسام الشرطة و مقار الحزب الوطني الديموقراطي بكثير من المحافظات و للأسف يتم الكشف عن أن من قام بهذه الأعمال من فتح للسجون كانوا من رجال وزارة الداخلية و كأن مبارك و أعوانه يقول يا من تريدون حريتكم, إما أنا أو الفوضي و إنعدام الأمن.ـ

بعد إنتهاء أحداث اليوم و أنا واقف في اللجنة الشعبية وسط أهالي الحي شعرت بأنني أري صفحة جديدة في تاريخ مصر تكتب أمام عيني و كأنه حلم غريب فقد أصبح طبيعيا أن نسمع الشعار "الشعب يريد إسقاط النظام" من قلب ميدان التحرير و في كل الميادين في مدن مصر كافة بعد أن تحولت الإحتجاجات إلي ثورة شعبية أشعل شرارتها الشباب.

الخامس و العشرون من يناير 2011 يوم جديد إنضم لتاريخ مصر, تاريخ بدأ فصلا جديدا في حياة المصريين إنه تاريخ ثورة مصر.ـ

No comments: