Thursday, January 7, 2010

الهوية و البطاقة

منذ عام تقريبا كنت مقيما بالامارات العربية المتحدة للعمل شأني شأن الكثير من الشباب المصري "الهاجج" اما لتوفيرما يكفي لبداية مناسبة "الزواج في الغالب" أو للاستقرار في الخارج حيث الرفاهية و البعد عن مشاكل و احباطات الوطن التي لا تنتهي لكنني و الله لست بهاجج "جامدة لست بهاجج دي".ـ
المهم . . . كان يوم جمعة كالعادة استيقظت متأخرا "المرة الوحيدة اسبوعيا" قبل صلاة الجمعة فتوضأت للاستعداد للصلاة ثم نزلت لألحق بجرعة مناسبة من الخطبة "التي يجب أن اسمعها كلها" ثم قمت باداء الصلاة ثم عدت الي الشقة ثانية و بدأت في تحضير كوب الشاي الجمعة ثم بدأت ارشف رشفات صغيرة في استمتاع حتي جاء ( أ ) زميلي في السكن و كعادته بعد أن بدل ملابسه أشعل سيجارة باحتراف و بدأ يتكلم معي عما فعل بالأمس مع زميلنا الثالث ( ب ) حيث خرجا مع بعض الاصدقاء المصريين "معرفة غربة" فذهبوا للبحر "الخليج" ثم إلي مطعم مصري في الشارقة حيث "ضربوا" وجبة محترمة من الكشري ثم عادوا في حوالي الثانية عشرة بعد منتصف الليل و بينما كانوا علي شاطئ البحر سأل أحدهم سؤالا سئل مئات المرات حتي أصبح معادا و مكررا و مستهلكا و مع ذلك يثير في النفس الكثير من الحيرة و الارتباك. كان السؤال: هل من الجائز أن نفخر بمصريتنا أو بكوننا مصريين؟ فرد ( ب ) في سرعة: طبعا. فبادره أحدهم: ليه؟ بأمارة ايه يعني؟ فلم يفهم أحد وجهة نظره فأكمل: احنا بنتعامل في بلدنا علي انها مش بلدنا و ان كتر خير الباشوات انهم سايبنا نعيش فيها و بنتعامل علي اننا درجة تانية او تالتة او من غير درجة خالص مع اننا المفروض مواطنين و حقنا فيها المفروض مكفول و معروف لكن تعالي واتخيل معايا انك تتخانق مع واحد أجنبي "عربي أو خواجة" و روحتوا القسم, علي احسن الظروف مش حتاخد حقك بس و ممكن تتبهدل اكتر من كده كمان و بره مصر بنتعامل أقل من الجنسيات التانية بسبب المعاملة اللي بنشوفها في مصر ,المعاملة اللي الدنيا كلها عرفاها, المصري بياخد أقل من المصري اللي معاه جنسية امريكية و اخينا ده بياخد أقل من الامريكاني الأصيل. طب احنا مهندسين و ممكن منحسش بالقرف "الفرق عكس القرف في الحروف و زي بعض في الاثار" أوي كده لكن اللي بيسافر يشتغل عامل أو حرفي في اي بلد عربي لازم يمشي زي الالف و الا يتظبط وممكن يمشي عدل و برضه يتبهدل و الكفيل يطلع عين أهله و زي ما سمعنا عمالنا بيتبهدلوا و بيموتوا في ليبيا و بيتعذبوا في الكويت وبيطلع عين أهلهم في السعودية و محدش سائل فينا من الحكومة و من غلبنا في بلدنا بناكل في بعض في غربتنا و تقوللي: طبعا! يا راجل صلي ع النبي. ـ

بعد أن أنهي ( أ ) زميلي الثاني روايته عن أخينا "المتضايق" الذي كان يتحدث عن المصريين و أحوالهم في الداخل و الخارج أصبت بضيق لأني أعرف أن ما يقوله حقيقي ثم تذكرت حديث دار بيني و بين أحد زملاء السكن و الذي كان حول الهوية (و كان اتجاه الحديث مختلفا تماما). كان بداية الحديث تعليق من ( ج ) أحد زملاء السكن عندما كنا نشاهد التلفاز و جاء اعلان عن فوز سيدة من موريتانيا و كانت تتحدث عن فوزها و فرحتها بلغة عربية سليمة جدا فبادرني بسؤال: هي موريتانيا دولة عربية؟ فنظرت له ثم قلت: طبعا. فسألني: من امتي؟ فقلت: لا أعرف. فسألني ( ج ): طب موريتانيا دولة عربية عشان بتتكلم عربي؟ قفلت: ايوة. فقال لي: طب ماهي الجزائر بيتكلموا فرنساوي. بصراحة شعرت ان المناقشة بدأت تأخذ منحي غير مريح, فنظرت له ثم قلت: لكن الفرنسية مش هي الأصل لسة فيه ناس بيتكلموا عربي عشان عرب. فسألني: هي مصر عرب؟ فنظرت له "هذه المرة شذرا": نعم يا خويا؟ ايوة مصر عرب, احنا عرب. فقال لي: احنا هويتنا فرعونيين مش عرب. ذكرني كلامه بكلام قرأته علي الفيس بوك عن هويتنا "كفرعونيين" و وجوب نشر الوعي بهويتنا "الفرعونية" و عدم الخلط بين الهوية و اللغة. بصراحة طريقة الكلام أشعرتني باتجاه جديد في النظر للهوية, لا أعرف لماذا يظهر هذه الايام بالذات. سألني ( ج ): هي مصر قبل دخول العرب كانت أيه؟ فقلت له رافعا حاجبي: رومانية. فقال: رومانية؟ قلت له: أيوة و قبلها إغريق و قبلهم مصريين. فسألته: مين كان قبل المصريين؟ فقال لي: محدش. فقلت: انت اش عرفك يا أخي؟ قلتها و قد علا صوتي تحمسا. فقال لي مهدئا: ايه يا عم براحة طيب. فاعتذرت ثم اكملت: مصر مرت علي فترات تاريخية كتير و في كل فترة كانت الهوية مرتبطة بظروف الفترة التاريخية و احنا دلوقتي اسمنا مصر العربية. فقال لي: النظام السياسي حاجة و الهوية حاجة تانية. نظر لساعته ثم هم بالانصراف ليلحق بموعده. الحق أقول, شعرت أني لم أقل كل ما أردته وددت لو أني سألته: هل يمكن لأحدنا أن يجزم بأصوله؟ البيض منا قد يكونوا من مصرأو الاناضول أو من اليونان و السمر قد يكونوا من مصر أو روما أو شبه الجزيرة العربية و السود قد يكونوا من مصر أو السودان أو الحبشة, يبقي مفيش مانع من ان الناس الحلوين الجدعان الطيبين اللي مفيش زيهم في الدنيا "و الله" و اللي عايشين في وادي النيل و دلتاه في مصر يكونوا ولاد أعراق غير المصريين القدماء و مع ذلك احنا مصريين . . . وبرضه عرب ثم علي فكرة كلمة حق يجب أن تقال, الحضارة العربية هي التي يجب أن تتبرأ من أبنائها الضعاف الخانعين الاستهلاكيين لا أن نتبرأ نحن منها.ـ

المهم بعد أن وضعت نقاشي مع ( ج ) في خانة بجوار كلام أخينا المخنوق من مصريته في خانة أخري شعرت بوجود مشكلة خطيرة في بلدنا فيما يختص بمفهوم الانتماء والوطنية لدينا. ناس غير راضين عن كونهم مصريين و اخرين معجبين بمصريتهم بتطرف في الاعتزاز بالهوية القديمة "التي لا يشعرون معها بالانتماء للشعب العربي الذي يعاني من خيبة في كل المجالات علي عكس الحضارة المصرية القديمة العظيمة" لدرجة الرغبة في الغاء و التبرؤ من الهوية العربية التي لا تتجزأ عن و لا تنفي هويتنا المصرية بأي شكل من الأشكال. لا يجب أن نكون كمن ألقي ببطاقته الشخصية "بعد أن أتلفها اهمالا و فسادا" في البالوعة و لا أن نكون كمن يؤدي التحية لبطاقة جده الاول الشخصية المعلقة في اطار من ذهب "لأنها جديرة بذلك". هويتنا عزيزة علينا فلا يجب أن نترك اليأس ينتزعنا منها أو نترك الغرور ينتزعها منا. يجب أن نكون أفضل لنفخر بهويتنا الحالية ونجمل وطننا فلا نحتاج "للتمحك" في هوية قديمة هي في وجداننا شئنا أم أبينا و لكننا للأسف لم نحيها داخلنا بعمل عظيم يجعل الاخرين يحسدوننا عليها.ـــــــــــــــــــــــــــــ ـ
ـــــــــــــتحيا جمهورية مصر العربية ـ
ملحوظة:-ـ
ا-الحضارة المصرية القديمة يطلق عليها خطأ "الحضارة الفرعونية" خطأ شائع يجب تصحيحه, المصريين قديما كانوا المصريين القدماء أما الفراعنة فهم الحكام و ليس الشعب المصري و لو كنا سننسب أنفسنا لألقاب حكامنا لأصبحنا اليوم ـ"رئاسيين". مش كده ولا أيه؟
ا-محدش يفهمني غلط لكن المصريين القدماء أكيد حيجيلهم اكتئاب لو شافوا حالنا اللي يصعب علي الكافر أكتر ما شوفونا بقينا عرب.ـ